کد مطلب:309786 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:319

القسمت 23


عاد السلام یرفرف فوق المدینة و كلمات السماء تتردد بین سعف النخیل وعروش الأعناب.

وعاد علیّ یعمل فی الأرض... یسقی الزرع و یفجر الینابیع یرید للأرض أن ترتدی حلّة خضراء...

عاد الأطفال یلعبون فی الأزقة... ضحكاتهم البریئة تتردد فی الفضاء الأزرق.

و مرّ النبی فی طریقه إلی المسجد تحفه كوكبة من أصحابه.

و ركض الحسن و الحسین و كانا یلعبان مع الأطفال وخف النبیّ لاستقبال ریحانتیه من الدنیا، و البسمة تطوف فوق وجهه...

حمل النبی ولدیه... شم الجنة فیهما... استنشق عبیر الریاحین.. و حملهما علی عاتقه..

والتفت إلی اصحابه:


- من أحب هذین الغلامین واُمهما و أباهما فهو معی فی الجنّة.

قال عمر مغتبطاً و هو یری أجمل منظر:

- نعم الفرس فرسكما.

فأجاب النبی مبتسماً:

- و نعم الفارسان هما.

شمّ المهاجرون رائحة وطن بعید و تلفتت العیون صوب الجنوب و تلفتت القلوب؛ وطافت صور جمیلة لمكة مرابع الصبا و ذكریات الطفولة فاذا الحنین نهر حزین یجری بصمت و الخریف فصل الوداع یستثیر هواجس العودة واللقاء وهاهی ستة أعوام تنطوی و المهاجرون ما یزالون یقاومون عواصف الصحراء و الزمان... یحلمون بالعودة إلی دیار الحبیب... الكعبة بیت ابراهیم و اسماعیل.. و غار حراء فی جبل النور.. و ذكریات الجهاد.

وأطل «ذوالقعدة» یوقظ فی النفوس نداء ابراهیم فتنطلق القوافل بین الأودیة.. فالقلوب تهوی إلی بقعة مباركة حیث أول بیت وضع للناس.

و عمّت الفرحة المدینة... لقد اعلن النبی رغبته فی أداء العمرة و زیارة البیت العتیق.. و انه لا یرید حربا مع أحد. انّه ینشد السلام.. و هل الإسلام یعنی شیئاً سوی السلام.


وطار النبأ فی الجزیرة رایةً بیضاء بیاض حمائم فی الفضاء الأزرق.

و اجتمع الف واربعمئة ممن تخفق قلوبهم لمكة واداء شعائر الحج... و تقدّم النبی علی ناقته «القصواء» زورقاً ینساب فوق امواج الرمال.. و كان «اللواء» یخفق فوق هامة علیّ.. وساق النبی من الهدی سبعین.. و السیوف فی الأغماد، حتی اذا بلغ ذا الحلیفة، أحرم فیها ولبّی.

ردّدت الصحاری هتافات التوحید:

- لبیك اللّهم لبیك.. لبیك لا شریك لك لبیك..

وفی «عسفان» حطّ النبیّ الرحال.. یمدّ ید السلام..

وجاء رجل من اُم القری یسعی:

- یا رسول اللَّه هذه قریش قد سمعت بك، فلبست جلد النمر... وقد اجتمع الرجال و النساء و الأطفال «بذی طوی»... و خیلها الآن فی «كراع الغمیم».

قال النبی بحزن:

- یا ویح قریش.. لقد أكلتهم الحرب. ماذا علیهم لو خلوا بینی و بین العرب.. ما تظنّ قریش.. واللَّه لا أزال أجاهد أو تنفرد هذه السالفة.


وكان الرجل یتأمل سوالف النبیّ المتلألئة وقد انفردت عن شعر النبیّ المتموّج تموج الصحاری و هو یكاد یلامس منكبیه.

و جلس النبی یفكر.. یفكر فی قوم كذبوه و آذوه.. وألّبوا العرب علیه یریدون أن یطفئوا نور اللَّه.. و اللَّه متم نوره.

قال النبی و قد أحدق به أصحابه:

- مَن یدلّنا علی طریق غیر طریقهم؟

فنهض رجل من أسلم و كان عالماً بخفایا الصحراء وبطون الأودیة.

وسار ألف و أربعثمة رجل یتقدّمهم آخر الأنبیاء و قد هبّت نسائم وطن بعید.

كانت المفازات وعرة كثیرة الحجارة كأنها شظایا بركان انفجر قبل آلاف السنین. حتی اذا وصلوا ارضاً سهلة انعطفوا جهة الیمین حیث الجادة المؤدیة إلی «ثنیة المراد» مهبط «الحدیبیة» من أسفل مكة.

توقفت القصواء ثم بركت.. و توقّفت الجموع، قال قائل:

- حرمت الناقة وأجهدت.

فقال النبیّ: لا.. ولكن حبسها الذی حبس الفیل عن مكة..

وأردف و هو ینزل عن «القصواء»:


- و اللَّه لا تدعونی قریش إلی خطة تسألنی فیها صلة الرحم إلَّا أعطیتهم ایّاها...

والتفت إلی الجموع:

- انزلوا.

قال أحدهم و هو یستعرض الوادی ببصر نافذ:

- یا رسول اللَّه ما بالوادی ماء.

أخرج النبیّ سهماً من كنانته و أشار إلی بئرٍ معطّلة.

- اغرزه فی جوفه.

كانت هالة من النور تغمر رجلاً ارسلته السماء لیحیی الأرض بعد موتها.

انفجرت البئر بالماء نمیراً فخشع الذین هاجروا والذین قالوا انّا انصار اللَّه.